alaa200 مدير الموقع
عدد الرسائل : 61 العمر : 49 sms : <!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --><form method="POST" action="--WEBBOT-SELF--"> <!--webbot bot="SaveResults" u-file="fpweb:///_private/form_results.csv" s-format="TEXT/CSV" s-label-fields="TRUE" --><fieldset style="padding: 2; width:208; height:104"> <legend><b>My SMS</b></legend> <marquee onmouseover="this.stop()" onmouseout="this.start()" direction="up" scrolldelay="2" scrollamount="1" style="text-align: center; font-family: Tahoma; " height="78"> AB بهديلك قلبى بس خلى بالك عليه . مش علشان هو قلبى . عشان انت فيه </marquee></fieldset></form><!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --> تاريخ التسجيل : 31/05/2008
| موضوع: 2 - سورة البقرة الخميس يونيو 26, 2008 1:48 pm | |
| [مقدمة] جميعها مدنية بلا خلاف، وهي من أوائل ما نزل، وآياتها مائتان وثمانون وسبع آيات. ذكر ما ورد في فضلها أولاً: عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان" (رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي وقال الترمذي: حسن صحيح.) ثانياً: وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "إنَّ لكل شيءٍ سناماً، وإنَّ سنام القرآن البقرة، وإن من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال" (رواه الطبراني وابن حبان وابن مردويه عن سهل بن سعد) ثالثاً: وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنه قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعثا - وهم ذوو عدد - فأستقرأهم فاستقرأ كل واحد منهم ما معه من القرآن، فأتى على رجلٍ من أحدثهم سناً فقال: ما معك يا فلان؟ فقال: معي كذا وكذا وسورة البقرة، فقال: أمعك سورة البقرة؟ قال: نعم، قال: اذهب فأنت أميرهم (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه) . رابعا: وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى اللّه عليه وسلم يقول: "اقرأوا القرآن فإنه شافعٌ لأهل يوم القيامة، اقرأوا الزهراوين (البقرة وآل عمران) فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما عمامتان أو غيايتان، أو كأنهما فَرَقان من طير صواف يحاجان عن أهلهما يوم القيامة، ثم قال: اقرأوا البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة" (رواه أحمد ومسلم عن أبي أمامة الباهلي) الزهروانا: المنيرتان، والغياية: ما أظلك من فوقك، والفَرَق: القطعة من الشيء، والبطلة: السحرة. خامسا: وعن النواس بن سمعان رضي اللّه عنه قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به، تَقْدُمهم سورة البقرة وآل عمران". & بسم الله الرحمن الرحيم 1 - الم - 2 - ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين التفسير: {الم} اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التي في أوائل السور، فمنهم من قال: هي ممّا استأثر اللّه بعلمه فردوا علمها إلى اللّه ولم يفسروها حكاه القرطبي في تفسيره، ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال بعضهم: هي أسماء السور، قال الزمخشري: وعليه إطباق الأكثر، وقيل: هي اسم من أسماء اللّه تعالى يفتتح بها السور، فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفةٍ من صفاته، فالألف مفتاح اسم (الله) واللام مفتاح اسمه (لطيف) والميم مفتاح اسمه (مجيد) وقال آخرون: إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً ل (إعجاز القرآن) وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، حكاه الرازي عن المبرد وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء، وقرره الزمخشري ونصره أتم نصر، وإليه ذهب الإمام (ابن تيمية) وشيخنا الحافظ (أبو الحجاج المزي) . قال الزمخشري: ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت، كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي الصريح في أماكن، وجاء منها على حرف واحد مثل {ص} وحرفين مثل {حم} وثلاثة مثل {الم} وأربعة مثل {المص} وخمسة مثل {كهيعص} لأن أساليب كلامهم منها ما هو على حرف وعلى حرفين وعلى ثلاثة وعلى أربعة وعلى خمسة لا أكثر من ذلك. قال ابن كثير: ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الإنتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته، وهذا معلوم بالاستقراء في تسع وعشرين سورة مثل: {ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه} {الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق} {المص كتاب أنزل إليك} {الم كتاب أنزلناه إليك} {الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه} {حم تنزيل من الرحمن الرحيم} وغير ذلك من الآيات الدالة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء لمن أمعن النظر. {ذلك الكتاب} قال ابن عباس: أي هذا الكتاب. والعربُ تعارض بين أسمي الإشارة فيستعملون كلاً منهما مكان الآخر وهذا معروفٌ في كلامهم. والكتابُ: القرآن، ومن قال: إن المراد بذلك الإشارة إلى التوراة والإنجيل فقد أبعدَ النُجعة، وأغرق في النزع، وتكلّف ما لا علم له به. والريبُ: الشك، أي لا شك فيه، روي ذلك عن أُناسٍ من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال ابن أبي حاتم: لا أعلم في هذا خلافاً. وقد يستعمل الريب في التهمة، قال جميل: بثينةُ قالت: يا جميلُ أربتني * فقلت: كلانا يا بثينُ مريب واستعمل أيضاً في الحاجة كما قال بعضهم: قضينا من تهامة كل ريب * وخيبر ثم أجممنا السيوفا والمعنى: إن هذا الكتاب (القرآن) لا شك فيه أنه نزل من عند اللّه كما قال تعالى: {تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} وقال بعضهم: هذا خبرٌ ومعناه النهي، أي لا ترتابوا فيه. وخصت الهداية للمتقين كما قال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} وقال: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن، لأنه هو في نفسه هدى، ولكن لا يناله إلا الأرباب كما قال تعالى {وهدى ورحمة للمؤمنين} قال السَّدي: {هدى للمتقين} يعني نوراً للمتقين، وعن ابن عباس: المتقون هم المؤمنون الذين يتقون الشرك ويعملون بطاعة اللّه، وقال الحسن البصري: اتقوا ما حرم عليهم، وأدوا ما افترض عليهم. وقال قتادة: هم الذين نعتهم اللّه بقوله: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة}، واختيار ابن جرير أنَّ الأية تعمُّ ذلك كله، وهو كما قال. وفي الحديث الشريف: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما بأس به حذراً مما به بأس" (رواه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي: حسن غريب). ويطلق الهدى ويراد به ما يقر في القلب من الإيمان، وهذا لا يقد على خلقه في قلوب العباد إلا اللّه عز وجلّ قال تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} وقال: {ليس عليك هداهم} وقال: {من يضلل الله فلا هادي له} ويطلق ويراد به بيان الحق والدلالة عليه، قال تعالى: {وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم} وقال: {ولكل قوم هاد} وقال: {وأمّا ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}. وأصل التقوى التوقي ممّا يكره لأن أصلها (وَقَوى) من الوقاية، قال الشاعر: فألقتْ قِناعاً دونه الشمسُ واتَّقَت * بأحسنِ موصولينِ كفٍ معْصَم وسأل عمرُ (أُبيَّ بن كعب) عن التقوى فقال له: أما سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال : بلى، قال: فما عملت؟ قال: شمَّرتُ واجتهدتُ، قال: فذلك التقوى، وأخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال: خل الذنوبَ صغيرَها * وكبيرَها ذاكَ التُّقَى واصْنَع كماشٍ فوقَ أرْ *ضِ (أرض) الشوك يحذَرُ ما يرى لا تحقرنَّ صغيرة * إنَّ الجبال من الحصى وفي سنن ابن ماجة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "ما استفاد المرء بعد تقوى اللّه خيراً من زوجة صالحة، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله" (رواه ابن ماجة عن أبي أمامة رضي اللّه عنه). 3 - الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون التفسير: الإيمان في اللغة يُطلق على التصديق المحض كما قال تعالى {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين}، وكما قال اخوة يوسف لأبيهم: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} وكذلك إذا استعمل مقروناً مع الأعمال: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فأما إذا استعمل مطلقاً فالإيمان المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً عملاً، هكذا ذهب أكثر الائمة وحكاه الشافعي وأحمد إجماعاً: أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص وقد ورد فيه آثار كثيرة أفردنا الكلام فيها في أول شرح البخاري ولله الحمد والمنة، ومنهم من فسره بالخشية: {إنّ الذين يخشون ربهم بالغيب} والخشيةُ خلاصة الإيمان العلم: {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء}. وأما الغيب المراد ههنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه، فقال أبو العالية: يؤمنون باللّه وملائكته وكتبه ورسله، وجنته ولقائه، وبالحياة بعد الموت فهذا غيبٌ كله. وقال السُّدي عن ابن عباس وابن مسعود: الغيبُ ما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار وما ذكر في القرآن. وقال عطاء: من آمن باللّه فقد آمن بالغيب. فكل هذه متقاربة في معنى واحد والجميع مراد. روى ابن كثير بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد أنه قال: "كنا عند عبد الله بن مسعود جلوساً فذكرنا أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم وما سبقونا به، فقال عبد الله: إن أمر محمد صلى الله عليه وسلم كان بَيِّناً لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحدٌ قط إيماناً أفضلَ من إيمانٍ بغيب، ثم قرأ: {الذين يؤمنون بالغيب - إلى قوله - المفلحون (رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم: وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) } وفي معنى هذا الحديث ما رواه أحمد عن (ابن محيريزٍ) قال: قلت لأبي جمعة حدثْنا حديثاً سَمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال نعم أحدثك حديثاً جيداً: "تغدينا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال يا رسول اللّه: هل أحد خير منا؟ أسلمنا معك، وجاهدنا معك، قال: نعم قومٌ من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني" (رواه أحمد عن أبي جمعة الأنصاري وله طرق أخرى) وفي رواية أُخرى عن صالح بن جبير قال: قدم علينا أبو جمعة الأنصاري صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ببيت المقدس يصلي فيه ومعنا يومئذ (رجاء بن حيوة) رضي اللّه عنه، فلما انصرف خرجنا نشيِّعه فلما أراد الإنصراف قال: إنَّ لكم جائزة وحقاً، أحدثكم بحديث سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قلنا: هات رحمك اللّه، قال: كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - ومعنا معاذ ابن جبل عاشر عشرة - فقلنا يا رسول اللّه: هل من قومٍ أعظم منا أجراً؟ آمنا بك واتبعناك، قال: "ما يمنعكم من ذلك ورسول اللّه بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء؟ بل قوم بعدكم يأتيهم كتاب من بين لوحين، يؤمنون به ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجراً، أولئك أعظم منكم أجراً "(رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره عن صالح بن جبير عن بي جمعة). وقوله تعالى: {ويقيمون الصلاة} قال ابن عباس إقامة الصلاة: إتمامُ الركوع والسجود، والتلاوة والخشوع، والإقبال عليها فيها. وقال قتادة: إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها، وركوعها وسجودها. وأصل الصلاة في كلام العرب الدعاء، قال الأعشى: لها حارسٌ لا يبرح الدهرَ بيتَها * وإن ذبحت صلَّى عليها وزمزما وقال الأعشى أيضاً: عليك مثل الذي صليت فاغتمضي * نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا | |
|
alaa200 مدير الموقع
عدد الرسائل : 61 العمر : 49 sms : <!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --><form method="POST" action="--WEBBOT-SELF--"> <!--webbot bot="SaveResults" u-file="fpweb:///_private/form_results.csv" s-format="TEXT/CSV" s-label-fields="TRUE" --><fieldset style="padding: 2; width:208; height:104"> <legend><b>My SMS</b></legend> <marquee onmouseover="this.stop()" onmouseout="this.start()" direction="up" scrolldelay="2" scrollamount="1" style="text-align: center; font-family: Tahoma; " height="78"> AB بهديلك قلبى بس خلى بالك عليه . مش علشان هو قلبى . عشان انت فيه </marquee></fieldset></form><!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --> تاريخ التسجيل : 31/05/2008
| موضوع: رد: 2 - سورة البقرة الخميس يونيو 26, 2008 1:50 pm | |
| يقول: عليك من الدعاء مثل الذي دعيته لي. وهذا ظاهر، ثم استعملت الصلاة في الشرع في ذات الركوع والسجود بشروطها المعروفة وصفاتها المشهورة.
{ومما رزقناهم ينفقون} قال ابن عباس: زكاة أموالهم. وقال ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : نفقةُ الرجل على أهله، وهذا قبل أن تنزل الزكاة. وقال قتادة: فأنفقوا مما أعطاكم اللّه، هذه الأموال عوارٍ وودائع عندك يا ابن آدم يوشك أن تفارقها واختار ابن جرير أن الآية عامة في الزكاة والنفقات. قال ابن كثير: كثيراً ما يقرن اللّه تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال، فإن الصلاة حق اللّه وعبادته وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه، وتمجيده والإبتهال إليه، ودعائه والتوكل عليه، والانفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المتعدي إليهم، وأولى الناس بذلك القرابات والأهلون والمماليك ثم الأجانب، فكلٌ من النفقات الواجبه والزكاة المفروضة داخلٌ في قوله تعالى: {وممّا رزقناهم ينفقون}.
4 - والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون
التفسير: قال ابن عباس: يصدّقون بما جئت به من اللّه وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرّقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم {وبالآخرة هم يوقنون} أي بالبعث والقيامة، والجنة والنار، والحساب والميزان، وإنما سميت (الآخرة) لأنها بعد الدنيا. وقد اختلف المفسرون في الموصوفين هنا على ثلاثة أقوال حكاها ابن جرير:
أحدها: أن الموصوفين أولاً هم الموصوفون ثانيا، وهم كل مؤمنٍ، مؤمنو العرب ومؤمنو أهل الكتاب.
والثاني: هم مؤمنو أهل الكتاب، وعلى هذين تكون الواو عاطفة صفاتٍ على صفات كما قال تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى. الذي خلق فسوَّى والذي قدَّر فهدى} فعطف الصفات بعضها على بعض.
والثالث: أن الموصوفين أولاً مؤمنو العرب، والموصوفون ثانياً بقوله: {يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} هم مؤمنو أهل الكتاب، واختاره ابن جرير ويستشهد بقوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} وبقوله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون. وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين} وبما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه وآمن بي، ورجل مملوك أدّى حقَّ اللّه وحقَّ مواليه، ورجل أدّب جاريته فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها" (رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري).
قلت: والظاهر قول مجاهد: أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآياتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين، فهذه الآيات الأربع عامة في كل مؤمن اتصف بها من عربي وعجمي وكتابي، من إنسيّ وجني، وليس تصح واحدة من هذه الصفات بدون الأُخرى، بل كل واحدة مستلزمة للأُخرى، وشرط معها، فلا يصح الإيمان بالغيب إلا مع الإيمان بما جاء به الرسول، وما جاء به من قبله من الرسل، والإيقان بالآخرة، كما أن هذا لا يصح إلا بذاك، وقد أمر اللّه المؤمنين بذلك كما قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل} وقال تعالى: {وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد} وأخبر تعالى عن المؤمنين كلهم بذلك فقال: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون، كل آمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله} الآية.
5 - أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون
التفسير: يقول تعالى: {أولئك} أي المتصفون بما تقدم من الإيمان بالغيب، وإقام الصلاة، والإنفاق من الذي رزقهم الله والإيمان بما أنزل إلى الرسول، والإيقان بالآخرة {على هدى} أي على نور وبيان وبصيرة من اللّه تعالى، {ولأولئك هم المفلحون} أي في الدنيا والآخرة، وقال ابن عباس {على هدى من ربهم} أي على نور من ربهم واستقامة على ما جاءهم به {وأولئك هم المفلحون} أي الذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما هربوا.
6 - إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون
التفسير: يقول تعالى: {إن الذين كفروا} أي غطوا الحق وستروه، سواء عليهم إنذارك وعدمه، فإنهم لا يؤمنون بما جئتهم به كما قال تعالى: {إنَّ الذين حقَّت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آيةٍ حتى يروا العذاب الإليم} أي إن من كتب اللّه عليه الشقاوة فلا مسعد له، ومن أضله فلا هادي له، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، وبلغهم الرسالة، فمن استجاب لك فله الحظ الأوفر، ومن تولى فلا يهمنك ذلك {فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب}.
وعن ابن عباس في قوله {إن الذين كفروا} الآية قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره اللّه تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له من اللّه السعادةُ في الذكر الأول، ولا يضلّ إلاّ من سبق له من اللّه الشقاء في الذكر الأول.
وقوله تعالى: {لا يؤمنون} جملة مؤكدة للتي قبلها أي هم كفّار في كلا الحالين.
7 - ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم
التفسير: {ختم اللّه} أي طبع على قلوبهم وعلى سمعهم {وعلى أبصارهم غشاوة} فلا يبصرون هدى، ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون. قال مجاهد: الختم: الطبعُ، ثبتت الذنوب على القلب فحفَّت به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه، فالتقاؤها عليه الطبعُ، والطبعُ الختم، وقد وصف تعالى نفسه بالختم والطبع عل قلوب الكافرين مجازاة لكفرهم كما قال: {بل طبع الله عليها بكفرهم}، وفي الحديث "يا مقلِّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك".
قال ابن جرير: وقال بعضهم: إن معنى قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم} إخبار من اللّه عن تكبرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دُعوا إليه من الحق، كما يقال: فلان أصمَّ عن هذا الكلام، إذا امتنع من سماعه ورَفَع نفسه عن تفهمه تكبراً، قال: وهذا لا يصح لأن اللّه قد أخبر أنه هو الذي ختم على قلوبهم وأسماعهم. قلت: وقد أطنب الزمخشري في تقرير ما ردّه ابن جرير ههنا، وتأول الآية من خمسة أوجه وكلها ضعيفة جداً، وما جرّأه على ذلك إلا اعتزاله، لأن الختم على قلوبهم ومنعها من وصول الحق إليه قبيح عنده يتعالى اللّه عنه في اعتقاده. ولو فهم قوله تعالى: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} وقوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} وما أشبه ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى إنما ختم على قلوبهم وحا بينهم وبين الهدى جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل وتركهم الحق - وهذا عدل منه تعالى حسنٌ وليس بقبيح - فلو أحاط علماً بهذا لما قال ما قال.
قال ابن جرير: والحق عندي في ذلك ما صح بنظيره الخبرُ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتةً سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستعتب صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي قال اللّه تعالى: {كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}" (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة وقال الترمذي: حسن صحيح. ومعنى استعتب: رجع عن الإساءة، وطلب الرضى. كذا في النهاية لابن الأثير.) فأخبر صلى اللّه عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذٍ الختم من قبل اللّه تعالى والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر عنها مخلص، فذلك هو الختم والطبع الذي ذكره اللّه في قوله: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم} نظيرُ الطبع والختم على ما تدركه الأبصار من الأوعيه والظروف.
8 - ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين
- 9 - يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون
التفسير: لما تقدم وصف المؤمني في صدر السورة بأربع آيات، ثمّ عرف حال الكافرين بآيتين، شرع تعالى في بيان حال المنافقين، الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ولمّا كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس، أطنب في ذكرهم بصفات متعددة، كلٌ منها نفاق، كما أنزل سورة "براءة" وسورة "المنافقين" فيهم، وذكرهم في سورة "النور" وغيرها من السور، تعريفاً لأحوالهم لتُجتَنَبَ ويُجتنب من تلبّس بها أيضاً، فقال تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله ..} الآيات.
والنفاق: هو إظهار الخير وإسرار الشر، وهو أنواع: اعتقادي: وهو الذي يخلد صاحبه في النار، وعملي: وهو من أكبر الذنوب، لأن المنافق يخالف قولُه فعله، وسره علانيَتَه، وإنما نزلت صفات المنافقين في السورة المدنية، لأن مكّة لم يكن فيها نفاق بل كان خلافه، ولهذا نبّه اللّه سبحانه على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون، فيقع لذلك فساد عريض من عدم الإحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم وهم كفّار في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار أن يظنَّ بأهل الفجور خيراً، فقال تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر} أي يقولون ذلك قولاً كما قال تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله}، أي إنما يقولون ذلك إذا جاءوك فقط لا في نفس الأمر، وليس الأمر كذلك، كما كذبهم اللّه في شهادتهم بقوله: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} وفي اعتقادهم بقوله: {وما هم بمؤمنين}.
وقوله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا} أي بإظهار ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون - بجهلهم - أنهم يخدعون اللّه بذلك وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما قد يروج على بعض المؤمنين، ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله: {وما يخدعون إلا أنفسَهم وما يشعرون} أي ما يغرّون بصنيعهم هذا إلا أنفسهم، وما يشعرون بذلك من أنفسهم كما قال تعالى: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم}، ومن القراء من قرأ: (وما يخادعون) وكلا القراءتين يرجع إلى معنى واحد.
10 - في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون
التفسير: {في قلوبهم مرضٌ} أي شكٌّ {فزادهم الله مرضا} شكاً، وعن ابن عباس {مرضٌ} نفاقٌ {فزادهم الله مرضاً} نفاقاً، وهذا كالأول. وقال عبد الرحمن بن أسلم: هذا مرضٌ في الدين وليس مرضاً في الأجساد، والمرض الشك الذي دخلهم في الإسلام {فزادهم الله مرضاً} أي زادهم رجساً. وقرأ: {فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون. وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم} يعني شراً إلى شرهم، ضلالة إلى ضلالتهم وهذا الذي قاله هو الجزاء من جنس العمل {ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون} وقرئ (يَكْذبون) و (ويُكَذّبون) وقد كانوا متصفين بهذا وهذا، فإنهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب، يجمعون بين هذا وهذا، وحكمة كفّه عليه الصلاة والسلام عن قتل المنافقين، مع علمه بأعيان بعضهم ما ثبت في الصحيحين أنه صلى اللّه عليه وسلم قال لعمر رضي اللّه عنه: "أكره أين يتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه" (هو جزء من حديث شريف أخرجه الشيخان) ومعنى هذا خشيته عليه السلام أن يقع بسبب ذلك تغير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام، ولا يعلمون حكمة قتله لهم، وأن قتله إياهم إنما هو على الكفر، فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر
لهم فيقولون: إن محمداً يقتل أصحابه. وقال الشافعي: إنما منع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قتل المنافقين ما كانوا يظهرونه من الإسلام مع العلم بنفاقهم، لأن ما يظهرونه يجبُّ ما قبله، وفي الحديث المجمع على صحته: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللّه عز وجل" (أخرجه الشيخان وهو حديث متواتر) ومعنى هذا أن من قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهراً، فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك في الآخرة، وإن لم يعتقدها لم ينفعه جريان الحكم عليه في الدنيا {ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله} الآية فهم يخالطونهم في المحشر فإذا حقت المحقوقية تميزوا منهم وتخلفوا بعدهم {وحيل بينهم وبين ما يشتهون}.
11 - وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون | |
|
alaa200 مدير الموقع
عدد الرسائل : 61 العمر : 49 sms : <!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --><form method="POST" action="--WEBBOT-SELF--"> <!--webbot bot="SaveResults" u-file="fpweb:///_private/form_results.csv" s-format="TEXT/CSV" s-label-fields="TRUE" --><fieldset style="padding: 2; width:208; height:104"> <legend><b>My SMS</b></legend> <marquee onmouseover="this.stop()" onmouseout="this.start()" direction="up" scrolldelay="2" scrollamount="1" style="text-align: center; font-family: Tahoma; " height="78"> AB بهديلك قلبى بس خلى بالك عليه . مش علشان هو قلبى . عشان انت فيه </marquee></fieldset></form><!--- MySMS By AlBa7ar Semauae.com --> تاريخ التسجيل : 31/05/2008
| موضوع: رد: 2 - سورة البقرة الخميس يونيو 26, 2008 1:52 pm | |
| - 12 - ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون
قال السُّدي عن ابن مسعود وعن أُناسٍ من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم : هم المنافقون، والفساد في الأرض هو الكفر والعمل بالمعصية، وقال أبو العالية: {لا تفسدوا في الأرض} يعني لا تعصوا في الأرض، وكان فسادهم ذلك معصية اللّه، لأنه من عصى اللّه في الأرض، أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، وقال مجاهد: إذا ركبوا معصية اللّه فقيل لهم: لا تفعلوا كذا وكذا قالوا: إنما نحن على الهدى مصلحون.
قال ابن جرير: فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم ربهم، وركوبهم ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دينه، وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم مقيمون عليه من الشك والريب، ومظاهرتهم أهل التكذيب باللّه وكتبه ورسله على أولياء اللّه إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً، فذلك إفساد المنافقين في الأرض، وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها. فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين، وغرَّهم بقوله الذي لا حقيقة له، ووالى الكافرين على المؤمنين، ولو أنه استمر على حاله الأول لكان شره أخف، ولهذا قال تعالى: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} أي نريد أن نداري الفريقين من المؤمنين والكافرين، ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء، قال ابن عباس {إنما نحن مصلحون} أي إنما نريد الإصلاح بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب يقول اللّه تعالى: {ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} يقول: ألا إن هذا الذي يزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فساداً.
13 - وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون
التفسير: يقول تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس} أي كلإيمان الناس باللّه وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والجنة والنار، وغير ذلك مما أخبر المؤمنين به، وأطيعوا اللّه ورسوله في امتثال الأوامر، وترك الزواجر {قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء}؟ يعنون - لعنهم اللّه - أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقولون: أنصير نحن وهؤلاء بمنزلة واحدة وعلى طريقة واحدة، وهم سفهاء؟
والسفيه: هو الجاهل الضعيف الرأي، القليل المعرفة بالمصالح والمضار، ولهذا سمى اللّه النساء والصبيان سفهاء في قوله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل اللّه لكم قياما} وقد تولى سبحانه جوابهم في هذه المواطن كلها فقال: {ألا إنهم هم السفهاء} فأكد وحصر السفاهة فيهم {ولكن لا يعلمون} يعني ومن تمام جهلهم أنه لا يعلمون بحالهم في الضلالة والجهل، وذلك أبلغ في العمى والبعد عن الهدى.
14 - وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون
- 15 - الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون
التفسير: أي، وإذا لقي هؤلاء المنافقون المؤمنين: قالوا آمنا، وأظهروا لهم الإيمان والموالاة، غروراً منهم للمؤمنين ونفاقاً ومصانعة وتقية، وليشركوهم فيما أصابوا من خير ومغنم {وإذا خلوا إلى شياطينهم} يعني إذا انصرفوا وخلصوا إلى شياطينهم، فضمّن "خلوا" معنى انصرفوا لتعديته بإلى ليدل على الفعل المضمر، وشياطينهم سادتهم وكبراؤهم، ورؤساؤهم من أحبار اليهود، ورؤوس المشركين والمنافقين، قال السُّدي عن ابن مسعود {وإذا خلوا إلى شياطينهم} يعني رؤساءهم في الكفر، وقال ابن عباس: هم أصحابهم من اليهود الذين يأمرونهم بالتكذيب وخلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال مجاهد: أصحابهم من المنافقين والمشركين، وقال قتادة: رؤوسهم وقادتهم في الشرك والشر (وهو قول أبي العالية والسُّدي والربيع بن أنَس وغيرهم)، قال ابن جرير: وشياطين كل شيء مردته، ويكون الشيطان من الإنس والجن كما قال تعالى: {شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً} وقوله تعالى: {قالوا إنا معكم} أي إنا على مثل ما أنتم عليه {إنما نحن مستهزءون} أي إنما نستهزىء بالقوم ونلعب بهم، وقال ابن عباس: {مستهزئون} ساخرون بأصحاب محمد
صلى اللّه عليه وسلم، وقوله تعالى جواباً لهم ومقابلة على صنيعهم: {الله يستهزىء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}، قال ابن عباس: يسخر بهم للنقمة منهم {ويمدهم} يملي لهم، وقال مجاهد: يزيدهم كقوله تعالى: {أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون}، قال ابن جرير: أخبر تعالى أنه فاعل بهم ذلك يوم القيامة في قوله تعالى: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم} الآية، وفي قوله: {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما} الآية، قال: فهذا وما أشبهه من استهزاء اللّه تعالى ومكره وخديعته بالمنافقين وأهل الشرك، وقال آخرون: استهزاؤه بهم توبيخه إياهم، ولومه لهم على ما ارتكبوا من معاصيه، وقال آخرون: قوله: {الله يستهزىء بهم}، وقوله: {يخادعون الله وهو خادعهم}، وقوله: {نسوا الله فنسيهم} وما أشبه ذلك إخبار من اللّه أنه مجازيهم جزاء الاستهزاء، معاقبهم عقوبة الخداع، فأخرج الخبر عن الجزاء مخرج الخبر عن الفعل الذي استحقوا العقاب عليه، فاللفظ متفق والمعنى مختلف (يسمى هذا النوع عند علماء البيان (المشاكلة) وهو أن تتفق الجملتان
في اللفظ وتختلفا في المعنى كقول القائل:
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه * قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا
كما قال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها}، وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} فالأول ظلم والثاني عدل، فهما وإن اتفق لفظهما فقد اختلف معناهما، وإلى هذا المعنى وجهوا كل ما في القرآن من نظائر ذلك والعمه: الضلال، يقال: عمه عمهاً إذا ضل، وقوله: {في طغيانهم يعمهون} أي في ضلالتهم وكفرهم يترددون حيارى، لا يجدون إلى المخرج منه سبيلاً لأن اللّه قد طبع على قلوبهم، وختم عليها، وأعمى أبصارهم عن الهدى فلا يبصرون رشداً ولا يهتدون سبيلاً، وقا بعضهم: العمه في القلب، والعمى في العين، وقد يستعمل العمى في القلب أيضاً كم قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
16 - أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين
قال السدي عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابه {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، وعن ابن عباس {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} أي الكفر بالإيمان، وقال مجاهد: آمنوا ثم كفروا، وقال قتادة: استحبوا الضلالة على الهدى. وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود: {فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}.
وحاصل قول المفسرين فيما تقدم: أن المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة، وهو معنى قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} أي بذلوا الهدى ثمناً للضلالة ولهذا قال تعالى: {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} أي ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة، وما كانوا مهتدين أي راشدين في صنيعهم ذلك وقال ابن جرير عن قتادة: {فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين} قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة.
17 - مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون
- 18 - صم بكم عمي فهم لا يرجعون
التفسير: يقال: مَثَل، والجمع أمثال، قال الله تعالى: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقِلها إلا العالمون}، وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى، وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى، بمن استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله، وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله، وتأنس بها ... فبينما هو كذلك إذا طفئت ناره وصار في ظلام شديد، لا يبصر ولا يهتدي وهو مع هذا (أصم) لا يسمع، (أبكم) لا ينطق، (أعمى) لو كان ضياء لما أبصر، فهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك، فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم الضلالة عوضاً عن الهدى، واستحبابهم الغي على الرشد، وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا، كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع والله أعلم.
وقال الرازي: والتشبيه ههنا في غاية الصحة لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولاً نوراً، ثم بنفاقهم ثانياً أبطلوا ذلك فوقعوا في حيرة عظيمة، فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين.
وصح ضرب مثل الجماعة بالواحد كما قال تعالى: {مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا} وقال بعضهم: تقدير الكلام مثل قصتهم كقصة الذين استوقدوا ناراً، وقد التفت في أثناء المثل من الواحد إلى الجمع في قوله تعالى: {فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون. صم بكم عمي فهم لا يرجعون}، وهذا أفصح في الكلام وأبلغ في النظام.
وقوله تعالى: {ذهب الله بنورهم} أي ذهب عنهم بما ينفعهم وهو النور وأبقى لهم ما يضرهم وهو الإحراق والدخان، {وتركهم في ظلمات} وهو ما هم فيه من الشك والكفر والنفاق. {لا يبصرون} لا يهتدون إلى سبيل خير ولا يعرفونها، وهم مع ذلك {صم} لا يسمعون خيراً، {بكم} لا يتكلمون بما ينفعهم، {عمي} في ضلالة وعماية البصيرة، كما قال تعالى: {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} فلهذا لا يرجعون إلى ما كانوا عليه من الهداية التي باعوها بالضلالة.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً} إلى آخر الآية... قال: هذه صفة المنافقين، كانوا قد آمنوا حتى أضاء الإيمان في قلوبهم كما أضاءت النار لهؤلاء الذين استوقدوا ناراً، ثم كفروا فذهب الله بنورهم فانتزعه كما ذهب بضوء هذه النار فتركهم في ظلمات لا يبصرون.
19 - أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين
- 20 - يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير
التفسير: هذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ويشكون تارة أُخرى، فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم (كصيِّب) والصيب: المطر نزل من السماء في حال ظلمات وهي الشكوك والكفر والنفاق، و (رعد) : وهو ما يزعج القلوب من الخوف، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع كما قال تعالى: {يحسبون كل صيحة عليهم}، وقال: {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون، لو يجدون ملجأً أو مغاراتٍ أو مدخلاً لولوا إليه وهم يجمحون} و (البرق) : هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان من نور الإيمان، ولهذا قال: {يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين} أي ولا يجدي عنهم حذرهم شيئاً لأن الله محيط بهم بقدرته، وهم تحت مشيئته وإرادته، كما قال: {هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود، بل الذين كفروا في تكذيب. والله من ورائهم محيط} أي بهم، ثم قال: {يكاد البرق يخطف أبصارهم} أي لشدته وقوته في نفسه وضعف بصائرهم وعدم ثباتها للإيمان.
قال ابن عباس: {يكاد البرق يخطف أبصارهم} أي لشدة ضوء الحق {كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا} أي كلما ظهر لهم من الإيمان شيء استأنسوا به واتبعوه، وتارة تعرض لهم الشكوك أظلمت قلوبهم فوقفوا حائرين. وعن ابن عباس: يعرفون الحق ويتكلمون به، فهم من قولهم به على استقامة فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر قاموا: أي متحيرين. وهكذا يكونون يوم القيامة عندما يعطى الناس النور بحسب إيمانهم، فمنهم من يعطى من النور ما يضىء له مسيرة فراسخ وأكثر من ذلك وأقل من ذلك، ومنهم من يطفأ نوره تارة ويضيء أخرى، ومنهم من يمشي على الصراط تارة ويقف أخرى، ومنهم من يطفأ نوره بالكلية وهم الخُلَّص من المنافقين الذين قال تعالى فيهم: {يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً} وقال في حق المؤمنين: {يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورُهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار} الآية. وقال تعالى: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه. نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا. واغفر لنا إنك على كل شيء قدير}.
وقوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير} عن ابن عباس في قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم}، قال: لما تركوا من الحق بعد معرفته، {إن الله على كل شيءقدير}: أي إن الله على كل ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير. وقال ابن جرير: إنما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير، ومعنى (قدير) قادر كما معنى (عليم) عالم. وذهب ابن جرير ومن تبعه من كثير من المفسرين إلى أن هذين المثلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين. وتكون (أو) في قوله تعالى: {أو كصيب من السماء} بمعنى الواو، كقوله تعالى: {ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً} أو تكون للتخيير. أي اضرب لهم مثلاً بهذا وإن شئت بهذا. قال القرطبي: أو للتساوي مثل جالس الحسن أو ابن سيرين، ووجَّهه الزمخشري بأن كلا منهما مساو للآخر في إباحة الجلوس إليه ويكون معناه على قوله: سواء ضربت لهم مثلاً بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم.
(قلت) : وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات، كما ذكرها اللّه تعالى في سورة (براءة) - ومنهم - ومنهم - ومنهم - يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال، فجعلُ هذن المثلين لصنفين منهم أشدُّ مطابقة لأحوالهم وصفاتهم واللّه أعلم، كما ضرب المثلين في سورة (النور) لصنفي الكفار الدعاة والمقلدين، وفي قوله تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة}، إلى أن قال: {أو كظلمات في بحر لُجّي} الآية. فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب، والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين، واللّه أعلم بالصواب.A | |
|